غير مصنف

رضا النفس: سرّ النجاح في وطن يتجدد

في زمنٍ تتسابق فيه الأحلام وتتسع فيه الأوطان، يبقى رضا النفس هو المفتاح الأول للنجاح الحقيقي. وفي عام 2025، تخطو السعودية بخطوات واسعة نحو مستقبلٍ مختلف تصنعه رؤية 2030 التي جعلت الإنسان هو المحور الأول في كل خطط التحوّل والتجديد. ومع هذا التغيّر السريع، تتفتّح أبواب كثيرة أمام الشباب والشابات: فرص وظيفية، مشاريع ريادية، تجارب جديدة، وأفكار طموحة. لكن وسط كل هذه الفرص، يواجه كثيرون ضغوطًا لا تقل حجمًا عن الطموحات نفسها، تأتي من المجتمع، من العائلة، وأحيانًا من أقرب الناس.

وهنا يظهر سؤال عميق يهمّ كل واحدٍ فينا: كيف يستطيع الإنسان أن يعيش متصالحًا مع نفسه وسط زحمة التوقعات وكثرة الآراء التي تتغيّر كل يوم؟ وكيف نحقق التوازن بين ما نريده نحن وما ينتظره الآخرون منّا؟

في إرثنا القديم، كان أهلنا الأوائل من البدو يقولون: لو رضيت الناس كلها، ما رضيتك. هذه المقولة تختصر حكمة طويلة: مهما بذل الإنسان من جهد، سيظل هناك من لا يرضى عنه. واليوم، في زمن السرعة ووسائل التواصل، صار الصوت العالي للنقد أسرع من أي إنجاز. ولهذا يردّد البعض المقولة الأجنبية الشهيرة: “Damned if you do, damned if you don’t” — يعني مهما فعلت، سيبقى هناك من ينتقد.

من هنا نفهم أن رضا النفس ليس أمرًا يأتي بسهولة أو بضغطة زر، بل هو مهارة تحتاج إلى تدريب وصبر وصدق مع الذات. الرضا عن النفس رحلة طويلة يتعلّم فيها الإنسان كيف يحدّد أولوياته، ويعرف قيمته، ويختار الطريق الذي يريّحه فعلًا حتى لو لم يعجب الجميع.

الواقع يقول إن السعودية اليوم مليئة بالفرص، لكن الإنجاز الحقيقي يبدأ من الداخل. لأن الذي يستطيع ترتيب نفسه ويكون صادقًا مع قراراته وطموحاته، هو من ينجح رغم الضغوط. وهذا لا يعني أن يعزل نفسه عن أهله أو مجتمعه، بل يتوازن: يسمع النصيحة من الذي يقصد الخير، ويتجاهل الكلام الذي لا فائدة منه سوى التشويش.

النجاح في زمن التحوّل لم يعد شهادة أو وظيفة فقط، بل صار قدرة على التوازن بين طموحك، ورضاك عن نفسك، وواجبك تجاه وطنك وأهلك. وهذا سرّ كثير من الشابات والشباب الذين صاروا اليوم قصص نجاح نفتخر بها: أشخاص اختاروا أن يرضوا أنفسهم، يشقّون طريقهم بشجاعة، ويعودون لينفعوا أهلهم ووطنهم بإنجازاتهم.

وسط كل هذا، لا ننسى أن الحياة تحتاج خفّة وروحًا مرنة. لا أحد يستطيع أن يعيش يومه كله تحت ضغط رضا الناس أو القلق من كلامهم. الضحكة، الراحة، لحظات العائلة والأصدقاء، كلها أشياء تغذّي النفس وتخفّف الحمل. لأن الذي يعتني بنفسه، ويضحك من قلبه، يقاوم الضغوط أقوى من أي انتقاد.

في النهاية، علينا أن نتذكّر دائمًا: Damned if you do, damned if you don’t ، يعني مهما حاولت هناك من لديه رأي جاهز. فلا تهدر وقتك وطاقتك في محاولة تغيير قلوب الناس؛ غيّر نفسك للأفضل. كُن صادقًا مع نفسك، وارضَ عنها قبل كل شيء. عندها ستكون مستعدًا لتخدم وطنك من قلبك، وتفرح بأنك جزء من حكاية نجاح وطنٍ يتغيّر يومًا بعد يوم.

السعودية 2025 مفتوحة الأبواب، لكن مفتاحها الحقيقي في داخلك: قلب مطمئن، ونفس راضية، وطموح يمشيك قدّام.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى